مشكل القرآن ومشكل الحديث مصطلحان متداولان بكثرة في مناقشات علوم القرآن وعلوم الحديث. وذلك ينبئ عن واقعيتهما وظهور آثارهما في التعامل مع نصوص القرآن والحديث وتطبيقها واستمرارية جهود العلماء والباحثين في معالجتهما عبر العصور. فلفظ المشكل في تعريفه اللغوي يفيد كل المعاني المتعلقة بالاشتباه، والاختلاط، والالتباس. والآيات القرآنية التي التبس معناها أو اشتبه على كثير من المفسرين فلم يتضح إلا بالطلب والاجتهاد والتدبر والتأمل يطلق عليها مصطلح مشكل القرآن. يقول الإمام ابن قتيبة في معرض كلامه عن متشابه القرآن: “قد يقال لكل ما غَمُضَ ودقَّ: متشابه، وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره … ومثل المتشابه: المشكل وسمي مشكلا لأنه أشكل، أي دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله. ثم قد يقال لما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكل” (تأويل مشكل القرآن، ص102). وتتبع الكتب التي تحمل عناوينها هذه اللفظة، منها كتاب ابن قتيبة السابق، ومشكل القرآن للحكيم الترمذي (295هـ)، ومشكل القرآن لابن فورك (406هـ)، والبرهان في مشكلات القرآن لأبي المعالي الجيلي الشافعي المعروف بشيذلة (494هـ)، وغيرها. ومثل هذا يكون الأمر في مجال الحديث فيعم مصطلح مشكل الحديث جميع أنواع التعارض التي يمكن أن توجد مما يعارض معنى من معاني الحديث الشريف ومفهومه من ظاهر القرآن الكريم، أو الواقع، أو التاريخ، أو السنن الكونية. وقد يكون الحديث مشكلاً في ذاته من غير وجود معارض له بل بسبب غموضٍ في فهمه. قال الإمام الطحاوي مبيِّنًا هدف تأليفه لكتاب شرح مشكل الآثار، (ج1، ص6): “وإني نظرت في الآثار المروية عنه صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبُّت فيها، والأمانة عليها، وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتُها والعلمُ بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأمُّلها، وتبيان ما قدرتُ عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها”. وهكذا تتواصل المسيرة في هذا الشأن وتتابع المؤلفات في تداول هذه المهمة.
وتقديراً لجهود العلماء والباحثين السابقين واللاحقين في مجال المشكل من نصوص الدين وبيان دورهم في استكشاف الحكمة من وجود ذلك فقد رأى مكتب كرسي جمل الليل للسنة النبوية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وبالتعاون مع قسم دراسات القرآن والسنة بالجامعة، ضرورة عقد مؤتمر عالمي خاص بمباحث التأويل والتوجيه لمشكل القرآن والحديث النبوي. ويتطلع المنظمون إلى أن يكون هذا المؤتمر فرصةً سانحةً يتبادل العلماء والمفكرون فيها الآراء حول صياغة منهج تأويلي متفاعل لما يظهر أنه مشكل، سواء كان ذلك في نصوص القرآن أم في نصوص السنة النبوية المطهرة. وستعقد جلسات متخصصة في رحاب الجامعة الإسلامية العالمية لتحقيق هذا الأمل الكبير.
أهداف المؤتمر
يروم هذا المؤتمر إلى تحقيق الأهداف الآتية:
أولاً: إبراز جهود العلماء المتخصصين في الدراسات القرآنية والحديثية في خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقويمها في تطوير مناهج للتعامل مع مشكل القرآن والحديث النبوي.
ثانياً: المقارنة بين المناهج المتعددة في القديم والحديث في التعامل مع مباحث مشكل القرآن والحديث.
ثالثاً: سبر واستكشاف متعلقات مشكل القرآن والحديث النبوي وتحفيز الباحثين للكتابة حول كيفية التعامل معهما بطريقة منهجية سليمة تلبي حاجات العصر الراهن.
رابعاً: تفعيل حركة التعامل مع القرآن والحديث النبوي في ميادين البحث العلمي في الحياة الفكرية والأوساط العلمية بين الجامعات في العالم الإسلامي وتطوير فكرة التنسيق بين المتخصصين والباحثين في الدراسات القرآنية والحديثية.
خامساً: تأصيل القضايا المتعلقة بمشكل القرآن ومباحث مشكل الحديث النبوي، ووضع سياسات ومبادئ للتعامل مع النصوص الثابت إشكالها، وذلك من خلال دراسات علمية متخصصة في ميادين التفسير وعلوم القرآن وشرح الحديث وعلومه واللغة وغير ذلك.